قالوا: ومن خصائصه إباحة عقد النكاح في حالة الإحرام خلافاً للحكم العام الذي يثبت بحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:
(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ)
(1).
واستدلوا لذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ (2).
وقد اختلف العلماء في التوفيق بين الأمرين علماً بأن الإمام مسلماً قد أخرج عن يزيد بن الأصم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ (3).
وهكذا فحديث ابن عباس معارض بحديث عثمان وحديث يزيد.
وذهب بعضهم للتخلص من التعارض بادعاء أن حديث ابن عباس من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن ادعاء الخصوصية غير مسلم، فقد قال ابن حجر رحمه الله:
“قال الأثرم: قلت لأحمد: إن أبا ثور يقول: بأي شيء يدفع حديث ابن عباس – أي مع صحته-؟ قال: فقال: الله المستعان، ابن المسيب يقول: وهم ابن عباس، وميمونة تقول: تزوجني وهو حلال.
______________________
1. أخرجه مسلم برقم (1409).
2. متفق عليه (خ 1837، م 1410).
3. أخرجه مسلم برقم (1411).
قال ابن عبدالبر: اختلفت الآثار في هذا الحكم، لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال جاءت من طرق شتى، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد، لكن الوهم إلى الواحد أقرب إلى الوهم من الجماعة، فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا، فتطلب الحجة في غيرهما، وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد.
وقد أخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا” (1).
وقد فسر بعضهم قول ابن عباس: تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ: أي داخل الحرام أو في الشهر الحرام، قال الأعشى.
قتلوا كسرى بليل محرماً
أي في الشهر الحرام. وقال آخر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً
أي في البلد الحرام. وإلى هذا جنح ابن حبان، فجزم به في صحيحه (2).
أقول: وإزاء هذه الأقوال، القوية بحجتها، لا تقبل دعوى الخصوصية التي لا دليل عليها.
______________________
1. فتح الباري 9/ 165 – 166.
2. فتح الباري 9/ 166.