×

غزوة بَدر الكبرى (1)

استطلاع أخبار قريش:

كان صلى الله عليه وسلم يتتبع أخبار قريش، وما سرية عبدالله بن جحش إلا وسيلة من وسائل ذلك. إنه يريد أن يضيق عليها – كما ذكرنا – كما إنه يريد أن يجد حلاً لبعض ما يعانيه الصحابة من الضيق المادي. المهاجرون منهم خاصة أولئك النفر الذين تركوا أموالهم وديارهم في سبيل عقيدتهم، وفي تجارة قريش التي تذهب وتجيء بعض غناء لو أمكن الحصول عليها. وهذا ما يفسر لنا مشاركة المهاجرين خاصة فيما سبق من غزوات وسرايا.

لا شك في أن الأنصار قدموا الكثير الكثير، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرون معه كانوا على درجة من التعفف لا يقابلها إلا كرم الأنصار. ولذا كانت أنظار الرسول تتطلع إلى تلك التجارات التي كانت في الآونة الأخيرة تجهز بأموال المسلمين المهاجرين التي خلفوها في مكة ولم يستطيعوا استصحابها نظراً لظروف سفرهم السرية. إلا ما كان من عثمان وأبي بكر رضي الله عنهما فقد يسر الله لهما ذلك، وكانت أموالهما دائماً في خدمة الدعوة في سبيلها.

إن دور المهاجرين بمكة تركت مغلقة ليس فيها ساكن: كدار بني مظعون من بني جمح ودار بني جحش بن رئاب ودار بني البكير وقد وجد طغاة مكة في ذلك فرصة لهم في استلاب ما فيها بل إن أبا سفيان عدا على دار بني جحش فباعها من عمرو بن علقمة. . (1) وهكذا كانت أموال المسلمين بعض رأس المال في تجارة قريش. فكان في أخذها استعادة لحق مسلوب.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع أخبار عير قريش التي يقودها أبو سفيان والتي فاتته في غزوة العشيرة حينما خرج لها وهي في طريقها إلى الشام، وها هي أخبار عودتها في طريقها إلى مكة تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

 الخروج على عجل:

كانت العير ألف بعير تحمل أموال قريش فندب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين إليها: وقال: (هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها) وفي رواية مسلم (إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضراً فليركب معنا). فجعل رجال يستأذنونه في ظهرهم في علو المدينة فقال: (لا من كان ظهره حاضراً) (3).

وانطلق من بلغه الخبر وكان ظهره حاضراً وتثاقل بعضهم لأن الخروج من أجل العير وهي لا تحتاج إلى العدد الكبير. بل إن الذين خرجوا لم يتخذوا أهبة القتال إذ لم يدر بخلدهم أنهم ذاهبون إلى معركة.

فرسان وسبعون بعيراً كل ما اصطحبه القوم معهم وسيلة لبلوغ الغاية. وإذا علمنا أن عدد المسلمين كان يزيد قليلاً على الثلاثمائة كان على كل ثلاثة أن يعتقبوا بعيراً.

وكان القائد الكريم صلى الله عليه وسلم واحداً من الناس. . . يشاركه علي وزيد بن حارثة – أو مرثد – في التناوب على بعير واحد، وأحب الصحابيان تحمل المشقة ومتابعة السير على أقدامهما ليظل الرسول صلى الله عليه وسلم راكباً، كما يفعل كل صحابي لو كان مكانهما.

فقالا: نحن نمشي عنك يا رسول الله.

فقال: ما أنتما بأقوى على السير مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما.

فالأمر ليس أمر مشقة وراحة، وإنما أجر مقابل كل عمل كماً وكيفاً. وبهذا لن يكون نقاش أو مجادلة أو حساب حول كمية أو مسافة المشي والركوب ويُستأصل عامل من عوامل الخلاف، بل أخوة ومحبة.

 تغير الموقف:

كان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان، فهو أمام أمر متوقع، وأصاب خبراً من بعضهم أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك. فأسرع وضرب وجه عيره عن الطريق واتجه بها إلى الساحل تاركاً بدراً عن يساره. وبعث ضمم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفر قريشاً، وسمع صوته في أرجائها وهو ينادي: يا معشر قريش. اللطيمة اللطيمة (4)، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، ولا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث. . .

وتجهزت قريش سراعاً فكانوا بين رجلين: إما خارج بنفسه وإما باعث مكانه رجلاً، وأبو جهل يحرض الناس قائلاً: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي (5) كلا والله ليعلمن غير  ذلك. . . وخرجت قريش ولم يتخلف من أشرافها أحد إلا أبا لهب الذي بعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة

كانت عملية أبي سفيان في تغيير الطريق ناجحة واستطاع أن ينجو بالعير فأرسل إلى أبي جهل يطلب منه العودة. . . ولكنه كيف يرجع ومن ورائه ما يقرب من ألف مقاتل، الأمر الذي زاد غروره وصلفه وكبرياء. فأقسم ألا يرجع حتى يرد بدراً، ويقيم بها ثلاثاً، وينجر الجزر ويطعم الطعام ويشرب الخمر وتعزف القيان. . وحينئذ تسمع العرب بمسيرهم ذاك فتكون لهم الهيبة بعدها أبداً.

 الشورى:

بلغ نبأ خروج قريش الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في ذفران بعد مسيرة ليلة أو ليلتين ولا شك أن الخبر شاع بين الصحابة الذين كره بعضهم لقاء قريش – وهم معذورون في هذا لعدم استعدادهم المادي والنفسي – وفي ذلك قوله تعالى:

{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ يُجَٰدِلُونَكَ فِى ٱلْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}

سورة الأنفال: الآيتان 5-6.

وكان جدال ونقاش شارك فيه الجميع لأن الأمر يعنيهم جميعاً. وكان صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يقطع ذلك بأمر منه فيطاع، ككل قائد عسكري في المواقف الحرجة، ولكنه جمع الناس بحكمته ليقول لهم: (أَشِيرُواعَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ)، إنه يريد قناعة تستقر في النفوس وتنشرح لها الصدور.

وتكلم أبو بكر ثم عمر بما يتوقع أن يصدر عن مثلهما في ذلك اليوم. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أَشِيرُواعَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ).

فتكلم المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك. والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:

{فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ}

(6) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.

فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (7) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.

فقال له صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له به. ثم قال: (أَشِيرُواعَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ).

وإنما يريد الأنصار، فهم الأكثرية يومئذ (8)، وهذه أول غزوة يخرج فيها الأنصار، وقد تخوف صلى الله عليه وسلم أن يكونا لا يرون عليهم النصرة إلا ضمن المدينة كما توحي بذلك بيعة العقبة، وأنه ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو. . . فلما كرر قوله: (أَشِيرُواعَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ) قال سعد بن معاذ:

– والله لكأنك تريدنا يا رسول الله.

– قال: (أجل).

– قال: قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله.

فسر عليه السلام بقول سعد ونشطه ما سمع منه.

وبهذه المشورة وبهذه الكلمات حسن الموقف وتقرر الاتجاه وانشرحت الصدور. إنها معالجة للواقع بالحكمة، فالصحابة بشر يثقلهم ما يثقل الناس. . . وفي الأزمات قد تغيب أبسط الأوليات عن أذهان الناس. فكانت هذه الكلمات جلاء لما أصاب النفوس من التغير المفاجئ في الموقف. وانسابت بعد ذلك مع ما يريده الرسول صلى الله عليه وسلم طائعة مختارة قانعة بما هي مقدمة عليه.

وكان قول سعد إيضاحاً لحقيقة هامة، وهي أن الأنصار في إيمانهم مثلهم مثل المهاجرين لا يحده اتفاق أو معاهدة. وإنما هو التصديق المطلق والطاعة لله ولرسوله، ويستطيع صلى الله عليه وسلم أن يأمر – بعد الآن – بما أراد دون حساب لما قد تفسر به بعض نصوص البيعة. فقد تجاوز الأنصار هذا الحاجز. . فهو الإيمان غير المشروط.

وبعد المشاورة قال صلى الله عليه وسلم:

[سيروا وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين. والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم].

وتابع المسلمون سيرهم إلى بدر وقد عرفوا ما هم سائرون إليه. ولئن فاتتهم العير فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرهم بالطائفة الأخرى وهي الانتصار على الباطل.

 المسلمون في بدر:

نزل المسلمون قريباً من بدر. وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر في تحسس الأخبار حتة وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه، ولم يخبرهما حتى يخبراه من هما. . وأخبرهما قال: بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدق الذي أخبروني فهم بمكان كذا، للمكان الذي هم فيه ثم حدثهم عن مكان قريش ثم سألهما ممن هما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نحن من ماء) فجعل الرجل يقول: من ماء؟ من ماء العراق؟

وهكذا عظم الظن أن قريشاً أصبحت قريباً منهم. فلما أمسى صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب والزبير وسعد بن أبي وقاص إلى ماء بدر يلتمسون الخبر، فوجدوا غلامين فأتوا بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. وسألوهما، فقالا: نحن سقاة قريش، فضربوهما حتى قالا: نحن لأبي سفيان، ثم أتم صلى الله عليه وسلم صلاته وقال: (صدقاكم فضربتموهما والله إنها لقريش). ثم سألهما فقال: (أخبراني عن قريش) فقالا: هم وراء هذا الكثيب. قال: (كم القوم). قالا: كثير، قال: (ما عدتهم)، قالا: لا ندري، قال: (كم ينحرون كل يوم؟) قالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً. فقال صلى الله عليه وسلم: (القوم بين التسعماية والألف). ثم قال لهما: (فمن فيهم من أشراف قريش؟) قالا: عتبة وشيبة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام. . وأبو جهل وأمية بن خلف وسهيل بن عمرو فقال: (هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها).

كان لا يزال عند الصحابة رضي الله عنهم بعض الأمل في إدراك أبي سفيان ولكنهم الآن على يقين من أنهم أمام قريش.

وسارع المسلمون في اليوم التالي فنزلوا على أدنى ماء من بدر. فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل. أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه. أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) فقال الحباب يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فتنزله ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد أشرت بالرأي. .) وفعل ما أشار به.

وكلمة الحباب التي جاءت مقدمة لاقتراحه هي الفقه كله، فهي تمثل منهج الإسلام، وتحدد مجال الرأي، فما كان أمراً من الله فلا مجال للتقدم عليه أو التأخر عنه، إذ لا مجال للعقل والرأي في هذه الدائرة، وإنما الواجب إزاءها التنفيذ والالتزام. وحيث لا يوجد النص فالواجب الاجتهاد وإعمال العقل، وهذه أولية من أوليات الإيمان.

وهكذا أخذ المسلمون موقعهم في ميدان المعركة. ومشى صلى الله عليه وسلم وجعل يشير بيده ويقول: (هذا مصرع فلان، إن شاء الله).

قال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما جاوز أحد منهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولئن كان الحرص على الانتصار في المعركة يشغل بال كل فرد من المسلمين فإن حرصهم على سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بأقل من ذلك. فهذا سعد بن معاذ يقول: يا نبي الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه، ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا، كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك، فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشد لك حباً منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك. يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير، وبني العريش.

وكلمة سعد هذه بمقدار ما تعبر عن الحب للرسول صلى الله عليه وسلم بمقدار ما توضح حقيقة المجتمع المسلم يومذاك، فهو المجتمع المتماسك المتراص، فالذين تخلفوا عن رسول الله يومئذ ليسوا بأقل حباً له ممن حضر معه، ولكنهم لم يقدروا أن تكون معركة، ومن حقهم ألا يغمطوا ما هم عليه، وأن يذكروا بما هم أهله، فكان كلمة سعد رضي الله عنه إنصافاً لهم وبياناً للواقع.

 معسكر قريش:

كان المشركون قد وصلوا إلى مقربة من بدر، خلف العقنقل – وهو الكثيب الذي جاؤوا منه – وبطن الوادي بينهم وبين بدر.

لم يكن الجميع على قناعة بمسيرهم ذاك. وكان بعضهم متثاقلاً في خروجه ورأي بعضهم عدم ضرورة الاستمرار في المسير، بعد أن نجت العير، ولكن أبا جهل كان له رأي آخر.

إن أمية بن خلف وعتبة بن ربيعة خرجا مكرهين. وخرج الأول بعد أن أتاه أبو جهل وقال له: يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك. . فلم يزل به أبو جهل حتى وافق على المسير، وكان سبب تثاقله ما سمعه من سعد بن معاذ – وكان صديقاً له – من أن المسلمين قاتلوه (9).

وأما عتبة بن ربيعة فكان قد عزم على القعود. فقال له أخوه شيبة: إن فارقنا قومنا كان ذلك سبة علينا فامض مع قومك فمشى معهم (10) وحينما أرسل أبو سفيان يطلب عودة أبي جعل بعد نجاة العير، وقد رفض أبو جهل ذلك. قال الأخنس بن شريق لبني زهرة – وكان حليفاً لهم -: يا بني زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله، فاجعلوا بي جبنها وارجعوا فإنه لا حاجة لكم أن تخرجوا في غير ضيعة، لا ما يقول هذا – يعني أبا جهل – فرجعوا فلم يشهد بدراً زهري واحد (11).

ورجع طالب بن أبي طالب بعد محاورة كانت بينه وبين بعض قريش. فقالوا: والله لقد عرفنا يا بني هاشم – وإن خرجتم معنا – أن هواكم لمع محمد.

وتابع الباقون طريقهم إلى إن نزلوا حيث ذكرنا، وبعضهم يرى أن المبرر لمجيئهم قد انقضى ولكن الجو العام المشحون بعداء الرسول صلى الله عليه وسلم  كان يسيطر على الموقف ومن ورائه أبو جهل يؤجج ناره.

وارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحِنهم الغداة)

(12). ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر فقال: (إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا)، واتخذت قريش مكانها في الجانب الآخر من بدر في العدوة القصوى.

ولما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا: احزر لنا أصحاب محمد. فجال بفرسه حول معسكر المسلمين ثم رجع فقال: ثلاثمائة يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد، فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً فرجع إليهم فقال: ما وجدت شيئاً، ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا (13) تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت النافع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك، فروا رأيكم.

فلما سمع حكيم بن حزام ذلك أتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد. إنك كبير قريش وسيدها، هل لك إلى أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي قال: قد فعلت، أمن علي بذلك إنما هو حليفي فعلي عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية – يعني أبا جهل – فإني لا أخشى أن يشجر (14) أمر الناس غيره.

ثم قام عتبة خطيباً فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً وأصحابه شيئاً. والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب.

وانطلق حكيم إلى أبي جهل فحدثه بما أرسله به عتبة فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد. وما بعتبة ما قال، ولكنه رأى محمداً وأصحابه أكلة جزور (15) وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك (16) ومقتل أخيك، فقام عامر فاكتشف (17) ثم صرخ واعمراه واعمراه. . . فأفسد على عتبة ما كان يريد.

لا شك أن تعنت أبي جهل يرجع إلى إيغاله في الكفر. أما موقفه المتصلب هذا فيدفعه إليه ما يبدو في الأفق من الذل الذي ينتظره. فها هي سرايا المسلمين غادية رائحة، وقد التقى بنفسه من قبل بسرية حمزة. ثم وصلت سرية عبد الله بن جحش قريباً من مكة. وأصبحت قريش غير آمنة في تحركها خارج مكة، وحتى الأشهر الحرم لم تعد مأمناً، أن الصورة قاتمة، وهو قائد قريش اليوم وقد سنحت له الفرصة في القضاء على المسلمين قبل أن يستفحل أمرهم. فلما لا ينتهز هذه الفرصة وتكون له المكانة في قريش بعد انتصاره على المسلمين.

إن كلا الرجلين – أبي جهل وعتبة – انطلق في حديثه من جانب القوة وكلاهما كان يظن أن انتصار قريش حتمية من حتميات الواقع المادي. إذ عدد قريش يساوي ثلاثة أضعاف عدد المسلمين. حتى عمير بن وهب الذي أرسل ليحزر عدد المسلمين انطلق من هذه المسلمة وهي فناء المسلمين بعد أن يفنوا عددهم من قريش. .

إن هناك أمراً لم تحسب قريش حسابه، ذلك هو الإيمان الذي يحدد الغاية والهدف. . . وهو قوة لم تتعرفها قريش بعد. . . أما ما خرجت له قريش فتحدده كلمات أبي جهل. . . أن يرد بدراً. . ويشرب الخمر وتعزف القيان ويتسامع الناس بهم. . فلا تزال لهم الهيبة. . إنه منطلق إبليس حينما قال أنا خير منه.

ليلة بدر:

وحل الظلام وبات الفريقان ينتظران الصباح. المسلمون بالعدوة الدنيا – القريبة من المدينة – والمشركون بالعدوة القصوى، ونزل المطر تلك الليلة فلجأ كل فرد من المسلمين إلى مكان يتقي به، روى ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال: أصابنا من الليل طش (18) من المطر – يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر – فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني قائماً يصلي -.

وفي رواية ابن إسحاق عنه أيضاً: لقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح (19).

كانت الأرض التي نزلها المسلمون كثيباً تسوخ فيه الأقدام. . فكان نزول المطر إطفاء لغبارها وتلبيداً لرملها. ثم كان النوم الذي به راحة الأبدان لتستعيد نشاطها وذلك قوله تعالى:

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَٰنِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلْأَقْدَام}

سورة الأنفال: الآية: 110

 

إن عيناً واحدة لم تعرف النوم تلك عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بات قائماً بين يدي الله يصلي ويدعو ويستغيث، والصلاة في الأوقات العصيبة ملجأ كان يهرع إليه رسول الله، فمن للإنسان في شدته إلا خالقه، والصلاة وسيلة من وسائل المناجاة. وذلك هو التوجيه القرآني الكريم:

{ٱسْتَعِينُوا بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ}

سورة البقرة: الآية: 153.

المعركة:

قال علي رضي الله عنه: فلما أن طلع الفجر نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف (20) فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خطب وحض على القتال.

وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وذهب يعدل صفوفهم بقدح (21) كان في يده، وكانت أوامره واضحة بضرورة الانضباط والتزام الطاعة وألا يتصرف أحد إلا بأمر منه صلى الله عليه وسلم.

ففي حديث مسلم قال لهم صلى الله عليه وسلم: (لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه) (22). كما أمرهم أن لا يحملوا حتى يأمرهم فقال: (إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل) وفي رواية أبي داود: (إذا أكثبوكم (23) فارموهم ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم). . .

وهكذا كانت الصورة واضحة في أذهان الصحابة بانتظار الأوامر. . ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى العريش ومعه أبو بكر – ليس معه غيره – وقام يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد اللهم أنجز لي ما وعدتني. .) ولم يزل حتى سقط رداؤه فوضعه عليه أبو بكر ثم قال: يا نبي الله بعض مناشدتك ربك فإنه منجز لك ما وعدك. وأعفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ثم انتبه فقال: (أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع) (24). ثم خرج من العريش وهو يثب في الدرع وهو يقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) (25) ثم جعل يحرض الناس على القتال ويبشر الناس بالجنة ويشجعهم بنزول الملائكة والناس في مصافهم لم يحملوا على عدوهم بعد.

وبدأت المعركة بخروج الأسود بن عبد الأسد المخزومي من صفوف المشركين: يريد الشرب من الحوض الذي بناه المسلمون، فخرج له حمزة حتى قتله في الحوض. فحمي عند ذلك عتبة بن ربيعة وأراد أن يظهر شجاعته فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين وطلبوا البراز خرج إليهم ثلاثة من الأنصار، فقالوا: ما أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم حاجة. ثم نادى مناديهم: يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قم يا عبيدة بن الحارث. وقم يا حمزة، وقم يا علي). فكان عبيدة تجاه عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد. فأما حمزة وعلي فلم يمهلا صاحبيهما وأما عبيدة وعتبة فأثبت كل صاحبه وكر حمزة وعلي على عتبة فذففا عليه (26) واحتملا عبيدة.

ثم تزاحف الناس، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصباء ورمى بها قريشاً وقال: (شاهت الوجوه) ثم أمر أصحابه فقال: (شدوا). واقتتل الناس قتالاً شديداً وكان صلى الله عليه وسلم في المقدمة يباشر القتال بنفسه. روى الإمام أحمد عن علي قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً (27). ولم يمض كبير وقت حتى حلت الهزيمة بالمشركين وانطلق المسلمون وراءهم يقتلون ويأسرون.

 بعد المعركة:

ولما تمت الهزيمة صعد صلى الله عليه وسلم إلى العريش ومعه أبو بكر، ووقف سعد بن معاذ ومعه بعض الأنصار على باب العريش ومعهم السيوف خيفة أن تكر راجعة من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم (28).

وكان صلى الله عليه وسلم قد قال لأصحابه بعد المعركة: (إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهاً).

فقال أبو حذيفة – ابن عتبة-: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لأحملنه السيف.

فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: (يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف)؟ فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه. . فوالله لقد نافق (29).

 ثقلة الأرض. . وحلم الرسول:

وما كان صلى الله عليه وسلم ليلبي طلب عمر، وإنما هي كلمات عبر بها صلى الله عليه وسلم عن ألمه مما سمع، ولقد كان له صلى الله عليه وسلم من سعة الصدر ما يسع به أعداءه فكيف لا يسع أصحابه إذا اجتذبتهم نوازع الأرض في لحظة من اللحظات، وأدركتهم الأخطاء في حالة نفسية صعبة.

إنها كلمة قالها لعمر ثم لم يلق للأمر بالاً، بل ولم يحمل في نفسه ضغينة فها هو صلى الله عليه وسلم يأمر بقتلى قريش أن يطرحوا في القليب، فلما أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إليه، نظر صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير لونه فقال له: (يا حذيفة لعلك قد دخلت من شأن أبيك شيء)؟ فقال: لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه ولكني كنت أعرف من أبي

رأيا وحلماً وفضلاً فكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام، فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيراً (30).

أما أبو حذيفة فلم ينسها وقال: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة؛ فقتل يوم اليمامة شهيداً رضي الله عنه.

إن أبا حذيفة حينما قال كلمته كان متأثراً ولا شك لمصرع أبيه وعمه وأخيه وكان أكثر تأثراً لموتهم على غير الإيمان. . . كان يتوقع من عقل أبيه أن يرشده إلى الخير وكان الأمل الذي ينتظره، ولكنه الآن أمام الحقيقة فها هو أبوه قد خر صريعاً في صف المشركين.

أما كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن قتل بعض المشركين لأنهم كانوا مكرهين في خروجهم فما كان بالإمكان تأخيرها حتى تهدأ النفوس لأنه يفوت وقتها ثم هي لم تكن خاصة بقرابته صلى الله عليه وسلم. فقد نهى عن قتل أبي البختري بن هشام لأنه قد أكف القوم عنه في مكة. بل إنه صلى الله عليه وسلم شهد بالعقل لعتبة وقال عنه وهو يقدم قريش: (إن يطيعوه يرشدوا)، وربما لو كان حياً بعد المعركة لكان في جملة من ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم ولكنه أخذته الحمية بالإثم وأراد أن يري أبا جهل شجاعته وإقدامه فكان في ذلك هلاكه في الدنيا والآخرة.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليميز قرابته في شيء، وذلك واضح في كل سيرته ولو فعل هذا لما استطاع أن يؤدي رسالته ويسير فيها قدماً. إنه علم الذين اتبعوه المساواة والعدل والنصفة حتى من نفسه فضلاً عن قرابته، وما كان لأتباعه هؤلاء أن يسكنوا لو رأوا أن سلوكه صلى الله عليه وسلم يختلف عما يدعو إليه. ولسنا في صدد ضرب الأمثلة في ذلك لكنا نقتصر على شاهد واحد.

فها هو العباس نفسه في عداد الأسرى يشد بالوثاق كما فعل بغيره. ثم يدفع الفدية كاملة كما دفع أمثاله ولقد استأذن رجال من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن اختنا عباس فداءه، فقال: (لا تدعوا منه درهما) (31).

ولو كان يحرص على تمييز قرابته لما كان المبارزون الأوائل في بدر بأمر منه هم حمزة عمه وعلي ابن عمه وعبيدة من بني عمومته، وأمرُهم يومئذ هو المجازفة بحياتهم (32).

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ينهى عن قتل أولئك إنما ينطلق من الحق الذي أرسل به. ومن العدل أن لا يسوي بين من خرج مندفعاً وبين من خرج مرغماً، ثم ألبس من الوفاء، أن يرد لكفار بني هاشم وقفتهم معه يوم أن حوصر في الشعب فجاعوا معه وعروا وحموه بأنفسهم، يوم كان غيرهم يضيق عليه الخناق ويتآمر في قتله (33).

ولماذا نطيل الوقوف على هذه الكلمة وقد تبرأ منها قائلها وتاب إلى الله منها وظل خائفاً منها طول حياته. إنه الإيمان الذي ينير الطريق. وأما الذين لا إيمان لهم فلن يفهموا موقف أبي حذيفة من قبل ومن بعد، إنه قالها متأثراً لعدم إيمان أبيه ويتوب منها حفاظاً على إيمانه.

 العودة إلى المدينة:

أقام صلى الله عليه وسلم ببدر بعد انتصاره ثلاثة أيام. جمع الأسرى فيها وكذا الغنائم كما أمر صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب (34)، وكان خلالها قد اطمأن أن أبا جهل بين القتلى.

ولما كان اليوم الثالث ركب ناقته ووقف على قليب بدر فقال: (يا أهل القليب: يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام. . . هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا). فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) (35).

ثم تابع طريقه إلى المدينة ومعه الأسرى والغنائم وكان قد أرسل عند الانتصار عبد الله بن رواحة بشيراً إلى أهل العالية – في المدينة – كما بعث زيد بن حارثة بشيراً إلى أهل السافلة.

وقد كان سرور المسلمين عظيماً بالبشرى كما كان حزن اليهود والمشركين من الأوس والخزرج عظيماً أيضاً حتى إنهم لم يتمالكوا أنفسهم فذهبوا يشككون في صحة الخبر الذي أصبحوا على يقين منه بعد أن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الطريق قتل رسول الله النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط. وكان هذان الرجلان من شر عباد الله وأكثرهم كفراً وبغياً وهجاء للإسلام وأهله واستهزاء برسوله صلى الله عليه وسلم.

واستقبل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم يهنئونه بما أكرمه الله به من النصر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. ابن هشام 1/ 499.
  2. في حديث مسلم عن أنس قال: [أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ فَجَاءَ وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ لَنَا طَلِبَةً. . (مسلم 1901)].
  3. رواه مسلم برقم (1901)
  4. اللطيمة: العير التي تحمل التجارة.
  5. إشارة إلى ما حدث في سرية عبد الله بن جحش. وقد سبق ذكرها.
  6. قوله تعالى: {فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ}. . وردت في قصة بني إسرائيل مع موسى وعدم انصياعهم لأوامره. وقد استطاع المقداد رضي الله عنه أن يفهمها درساً عملياً في مجال التطبيق وكيف ينبغي أن يكون أصحاب الرسل وهكذا كانت تلاوة القرآن واقعاً يعيشونه وفقها يطبقونه فكان حياتهم وكانوا التطبيق الحي له والحديث في البخاري بلفظ قريب. وكلمة المقداد هذه، تعد من المواقف الفذة لهذا الصحابي حتى قال فيها عبد الله بن مسعود: شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً، لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به. . . ثم ذكر كلمته السابقة (البخاري 3952).
  7. برك الغماد: هو موضع من وراء مكة بخمس ليال بناحية الساحل، وقال القاضي عياض وغيره: هو موضع بأقصى هجر.
  8. كان المهاجرون يوم بدر نيفاً على الستين والأنصار نيفاً وأربعين ومائتين.
  9. البداية 3/ 258. وجاء تفصيل ذلك في البخاري برقم (2301).
  10. الكامل 2/ 82.
  11. ابن هشام 1/ 619.
  12. أي أهلكهم.
  13. البلايا جمع بلية. وهي الناقة تربط على قبر الميت فلا تعلف حتى تموت.
  14. أي يخالف بينهم.
  15. أي عددهم قليل.
  16. أي اطلب من قريش الوفاء بخبرتهم لك، أي عهدهم.
  17. أي كشف عورته.
  18. طش: هو المطر الخفيف.      
  19. البداية 3/ 267.
  20. الحجف: جمع حجفة، وهي الترس إذ كان من جلود ليس فيه خشب.
  21. القدح: السهم لا نصل له ولا ريش.
  22. أي قدامه، والحديث عند مسلم برقم (1901).
  23. معناها: قربوا ودنوا منكم. والحديث عند البخاري بلفظ قريب. انظر جامع الأصول الحديث 6022.
  24. البداية 3/ 276.
  25. أخرجه البخاري برقم (2915).
  26. ذففا عليه: أي أسرعا قتله
  27. البداية 3/ 279. إن هذا الحديث يرد ما نقله الزرقاني في حاشيته عن ابن تيمية رحمه الله حيث قال: لا يعلم أنه قاتل في غزاة إلا في أحد. اهـ. 1/ 388. حاشية.
  28. البداية 3/ 284، إن بعض كتاب السيرة فهموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشترك في القتال بناء على وجوده في العريش. وفي هذا النص والذي سبقه نقلاً عن الإمام أحمد من رواية سيدنا علي ما يقطع الشك. فقد اشترك في المعركة أيما اشتراك. وأما العريش فكان المكوث فيه قبل المعركة للدعاء – كما لاحظنا – ثم بعد المعركة. لتدبير الشؤون المتبقية.
  29. البداية 3/ 284.
  30. البداية 3/ 294.
  31. أخرجه البخاري، (2537).
  32. نقول هذا إيضاحاً للفكرة ولم ننس أن الإسلام يعتبر الشهادة مطلباً يسعى إليه المسلم وبتمناه.
  33. يرى بعضهم أن العباس أسلم قديماً، وبقي في مكة عيناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
  34. القليب: هي البئر التي بنيت بالحجارة.
  35. متفق عليه (خ 3976، م 2875).

مواضيع ذات صلة