لم يتفق على سنة ولادتها، فقال ابن الجوزي: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وقال ابن عبدالبر: ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي ﷺ (1).
وقد زوجها النبي ﷺ من علي رضي الله عنه، وذلك في السنة الثانية من الهجرة.
وقصة هذا الزواج بدأت بعد أن خطب أبو بكر رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها، ثم خطبها عمر رضي الله عنه. . ولم يجبهما ﷺ.
فبلغ الأمر علياً بأن فاطمة تخطب، فذهب إلى رسول الله ﷺ.
قال علي رضي الله عنه: فلما قعدت بين يديه أفحمت، فوالله ما أستطيع أن أتكلم، فقال: ما جاء بك؟ فسكت.
فقال: (لعلك جئت تخطب فاطمة؟) قلت: نعم. قال: (وهل عندك شيء تستحلها به؟) فقلت: لا والله يا رسول الله. فقال: (ما فعلت بالدرع التي سلحتكها؟) فقلت: عندي. قال: (فأعطها إياها (2)).
قباع علي رضي الله عنه الدرع، وجاء بثمنها إلى النبي ﷺ، فأخذ النبي ﷺ بعض الثمن وأمر بلالاً أن يشتري به طيباً. . وكان نصيب المتاع ما تبقى من الثمن.
وأما المتاع الذي جهزت به فاطمة رضي الله عنها فكان عبارة عن: خميل – وهو القطيفة البيضاء من الصوف – ووسادة حشوها إذخر، وقربة (3).
وتصف عائشة وأم سلمة إعداد بيت فاطمة الذي جهزت إليه، قالتا: أمرنا رسول الله ﷺ أن نجهز فاطمة حتى ندخلها على علي، فعمدنا إلى البيت، ففرشناه تراباً ليناً من أعراض البطحاء (4)، ثم حشونا مرفقتين (5) ليفاً، فنفشناه بأيدينا، ثم أطعمنا تمراً وزبيباً، وسقينا ماء عذباً، وعمدنا إلى
______________________
1. “المواهب اللدنية” للقسطلاني (2/ 64).
2. رواه أبو داود (2125، 2126).
3. رواه النسائي (3384)، وابن ماجه (4152).
4. أعراض البطحاء: أي جوانبها.
5. مرفقتين: مخدتين.
عود فعرضناه في جانب البيت ليلقى عليه الثوب، ويعلق عليه السقاء. فما رأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة (1).
وعلى هذا الجهاز البسيط تم زواج بنت أكرم الخلق على الله سيدنا محمد ﷺ.
وسارت الأيام وحياة الزوجين هانئة سعيدة. . علي يعمل في السقاء بالأجر وفاطمة في أعمال البيت.
قال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت (2) حتى لقد اشتكيت صدري، قال: وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه (3)، فقالت: أنا والله قد طحنت حتى مجلت يدي. . فأتيا النبي ﷺ فسألاه فقال (لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم) (4).
وهكذا كان لديه ﷺ سلم للأولويات ينبغي العمل به.
وسارت الأمور في بيت فاطمة هنية سعيدة، وإن كانت على شظف من العيش، فليست الرفاهية هي دائما مصدر السعادة. .
مع مرور الأيام بدا علي رضي الله عنه أن يخطب بنت أبي جهل. . فأثار ذلك حفيظة فاطمة التي كانت أهل النبي ﷺ إليه، وكان يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها. .فجاءت إلى النبي ﷺ تشكو إليه حالها بعد سماعها ما سمعت.
______________________
1. رواه ابن ماجه (1911).
2. سنوت: أي استقيت.
3. فاستخدميه: أي اطلبي منه خادماً.
4. رواه الإمام أحمد، “الفتح الرباني” للبنا (21/ 44).
فقد أخرج الشيخان من حديث المسور بن مخرمة قال: إن علياً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله ﷺ فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله ﷺ، فسمعته حين تشهد يقول: (أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، إني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله عند رجل واحد) فترك علي الخطبة.
وفي رواية لهما: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيمي ما آذاها) (1).
وفاطمة رضي الله عنها هي “سيدة نساء هذه الأمة” كما أخبرها بذلك ﷺ، فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة قَالَتْ:
______________________
1. متفق عليه (خ 3729 و 5230، م 2449).
إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تَمْشِي لَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: (مَرْحَبًا بِابْنَتِي) ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سِرَّهُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي قَالَتْ أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ فَأَخْبَرَتْنِي قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً (وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ فَلَمَّا رَأَى جَزَعِيسَارَّنِي الثَّانِيَةَ قَالَ: (يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) (1) وفي رواية للبخاري ( أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) (2).
وتوفيت رضي الله عنها بعد وفاة النبي ﷺ بستة أشهر.
وولدت: حسناً وحسيناً، ومحسناً فمات محسن صغيراً، وأم كلثوم وزينب.
ولم يكن لرسول الله ﷺ عقب إلا من ابنته فاطمة، فانتشر نسله الشريف من جهة السبطين: الحسن والحسين فقط. ويقال للمنسوب للحسن: حَسَني، وللمنسوب للحسين: حُسَيْني.
وتزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت فاطمة فولدت له زيداً ورقية، ولم يعقبا، ثم تزوجت بعده بعون بن جعفر، ثم بعد وفاته بأخيه محمد بن جعفر، ثم مات عنها، فتزوجت بأخيهما عبد الله بن جعفر ثم ماتت عنده، ولم تلد لواحد من الثلاثة سوى للثاني ابنة صغيرة فليس لها عقب.
وتزوج عبدالله بن جعفر أختها زينب بنت فاطمة. فولدت له عدة أولاد (3).
______________________
1. متفق عليه (خ 6285 و 6286، م 2450).
2. رواه البخاري (3623، 3624).
3. “المواهب اللدنية” (2/ 66- 67).