×

ما ضرب النبي ﷺ امرأة قط

مسألة “ضرب الزوجة” هي إحدى مسائل الفصل السابق، فهي جزء من سلوك الرجل في بيته، وكان ينبغي ذكرها كفقرة فيه، حيث لم يضرب النبي امرأة قط في حياته.

ولكنه لما طغى الجهل لدى كثير من المسلمين، بات بعضهم يرى أن ضرب الزوجة هو حق من حقوق الزوج، لأن القرآن الكريم يقول:

{وَٱضْرِبُوهُنَّ} [ النساء: 34].

ومثل هذا الإنسان مثل من يقول: إن القرآن نهى عن الصلاة فقال:

 {لَا تَقْرَبُوا ٱلصَّلَوٰةَ} [النساء: 43]

ولما لهذه المسألة من خطر، ولكون “الضرب” أمراً لم يفعله رسول الله ﷺ، كان البيان أمراً واجباً، ولذا رأيت تخصيص هذا الفصل لذلك.

قَالَتْ عَائِشَةَ: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” (1).

وهذا الحديث وحده كافٍ لإزالة اللبس، وبيان السنة النبوية في هذا الشأن. .

ولكن للأسباب المذكورة في مقدمة الفصل، كان التفصيل ضرورة.

جاء الإسلام والناس يضربون نساءهم وعبيدهم، فعالج الموضوعين، وحتى نفهم كيف فعل ذلك بالنسبة للنساء، لا بد لنا من معرفة كيفية معالجة أمر الأرقاء.

لقد كان السيد يقتل عبده فلا يسأل عما فعل، وعندما جاء الإسلام حدث التغيير الجذري الذي نقرؤه في الأحاديث التالية التي سجلت هذه العملية.

______________________

1. رواه مسلم (2328).


1- قال أبو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ) فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ: (أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ) (1).

 

2- وقال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه:  كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرعَى لِي غنماً لِي قِبَلِ أُحُدٍ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوم فإذا الذِّئْبَ قَدْ ذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمها، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً (2)، فأتيت رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أَعْتِقُهَا؟ قَالَ: (أِعْتِقْهَا) فَاعْتِقْهَا (3).

3- وقال مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ: (لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا فَهَرَبْتُ ثُمَّ جِئْتُ قُبَيْلَ الظُّهْرِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي فَدَعَاهُ وَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: اقتص. . فَعَفَا) (4).

 4- وَقَالَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَسَابِعُ سَبْعَةٍ مِنْ إِخْوَتِي مَا لَنَا إِلَّا خَادِمٌ فَعَمَدَ أَحَدُنَا فَلَطَمَهَا أضغرنا، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعِتْقِهَا (5).

 5- وهذا عبدالله بن عمر رضي الله عنه، يضرب غلاماً له. . ثم قال له: أوجعتك؟ قال: لا، قال: فأنت عتيق.

ثم أخذ عبدالله شيئاً من الأرض، فقال: ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: 

(من ضرب غلاماً له، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه) (6).

وبهذه المعالجة أنهى الإسلام هذه المظلمة. .

______________________

1. رواه مسلم (1659).

2. أي: ضربها بيده مبسوطة.

3. رواه مسلم (537).

4. رواه مسلم (1658)

5. رواه مسلم (1685).

6. رواه مسلم (1657). 


فإن كان الضارب هو مالك العبد فعليه أن يعتقه، مقابل ذلك كفارة لهذا الذنب، كما في الأحاديث السابقة.

وإن كان الضارب لا يملك العبد المضروب، فعليه القصاص، كما في حديث معاوية بن سويد.

وبهذا أعاد الإسلام للإنسان الرقيق كرامته، وفقاً لقوله تعالى: 

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ}

[الإسراء: 70] 

والأرقاء من بني آدم.

والضرب يتنافى مع الكرامة، ولذا منعه الإسلام، وجعله – عند وقوعه – وسيلة للتحرر والتخلص من إسار العبودية.

هذا هو الإسلام.

فهل مثل هذا الدين يسمح للزوج أن يضرب زوجته؟

وهل الزوجة أقل شأنا وأقل كرامة من الأمة؟

ونترك الإجابة عن ذلك إلى ما بعد الفقرة التالية.

ونسأل: هل ضرب رسول الله ﷺ زوجة من زوجاته في يوم من الأيام؟

وتجيب على ذلك أم المؤمنين عائشة إذ قَالَتْ:

“مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا” (1).

 وقد يقول قائل: إن نساءه كن على درجة من التقوى والطاعة بحيث لا يحتاج معهن إلى استعمال الضرب.

______________________

1. رواه مسلم (2328).


وجواباً على ذلك نذكر بواحد من المواقف التي سيأتي ذكرها في “فصل الغيرة”. يوم ضربت عائشة صحفة الطعام التي بعثت بها أم سلمة إلى النبي ﷺ وعنده أصحابه، فكسرتها. . فقال ﷺ: 

(غَارَتْ أُمُّكُمْ).

 وحتى نعرف فداحة الفعل ينبغي أن نتخيله ونصوره في أفكارنا، ونقدر أنه لو حصل مع واحد منا.

إنسان عنده أصحابه، يريد أن يقدم لهم طعام، ثم تأتي زوجته فتكسر الصحفة على مرأى ومسمع منهم.

إنه – ولا شك – سيرى في ذلك استهانة به، واستخفافاً بحقه، واستضغاراً لأصحابه. . وسيذهب يميناً وشمالاً في تضخيم الموضوع. . مما يدفعه إلى ضربها إن لم يكن إلى طلاقها. .

ولكنه ﷺ لم يفعل أكثر من قوله:

 (غَارَتْ أُمُّكُمْ. .)

 إن قضية الضرب غير متصورة من قبله ﷺ، ولذلك فهو يستغرب فعل من يضرب زوجته، فيقول: 

(يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ) (2)!

أي: كيف يجتمع الضرب والمضاجعة، وكيف سيكون حال هذه المضاجعة؟!

 وفي حديث آخر يقول ﷺ: 

(بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ أَوْ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا) (3) 

فيسأل عن السبب الداعي إلى الضرب؟؟

وخطب ﷺ يوماً فقال: 

(لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ) (4).

أي: إن الذي يفعل ذلك ليس من خيار الناس.

وإنه ﷺ لم يفعل ذلك.

______________________

1. هذا بحسب ما كان قبل الإسلام.

2. رواه البخاري (4942)، ومسلم (2855).

3. رواه البخاري (6042).

4. رواه أبو داود (2146)، وابن ماجه (1985). 


ونعود إلى السؤال الذي طرحه الرسول ﷺ 

(بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ؟).

ألأنها قصرت في الطبخ وإعداد الطعام؟

أم لأنها قصرت في كنس البيت وتنظيفه؟

أم لأنها قصرت في غسل ثياب زوجها؟

أم لأنها. . .؟

 ونتساءل – وبناء على معاملة الرقيق التي سبق ذكرها – لو أن أمة الرجل الرقيقة المملوكة، قصرت في إعداد ما سبق ذكره، فهل كان يجرؤ على ضربها؟

 إنه لن يفعل ذلك. . لأنه يعلم أن كفارة ضربها هو عتقها.

وإذن فهل مكانة المرأة – التي هي الزوجة – أقل شأناً من مكانة الرقيقة المملوكة؟

إنه سؤال يطرح للتفكير. . للإجابة عليه.

نعود إلى أصل المسألة.

فقد أذن القرآن الكريم بضرب المرأة في حال نشوزها.

قال تعالى: 

{وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}

[النساء: 34].

والذين يوردون هذه الآية الكريمة دليلاً على مشروعية الضرب يغفلون عن السنة التي جاءت بياناً للقرآن وتفسيراً له.

ومن المستحسن أن نضع بين الأيدي بعض النصوص من السنة الشريفة والتي تبين المقصود بالضرب الوارد في الآية الكريمة، ومتى يكون ذلك والأسباب المبيحة له. ومن هذه الأحاديث:

1- عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ: أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ، فَذَكَرَ فِي الحديث قصة فَقَالَ: (أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ (1) عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ (2) فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ) (3).

2- ومما جاء في خطبة الوداع قوله ﷺ: 

(فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) (4).

ويتبين من الحديثين السابقين أنهما يحددان متى يباح للرجل ضرب امرأته، وأن ذلك لا يكون إلا في حالة واحدة، وهي شعور الزوج بوجود الانحراف الخلقي لدى زوجته، أو وجود مؤشرات عليه.

وهذا ما يسجله الحديث الأول بقوله:

______________________

1. عوان: قال الترمذي: يعني أسرى في أيديكم.

2. غير مبرح: المبرح: الشديد الشاق.

3. رواه الترمذي (1163)، وابن ماجه (1851).

4. رواه مسلم (1218).


(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)

ثم بين المقصود بهذه الفاحشة حينما بين حقوق الرجل على زوجته بقوله: 

(فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ)

فإن فعلن ذلك فقد أذن بضربهن كما ورد في الآية الكريمة.

 وهذا أيضاً ما سجله الحديث الثاني بقوله:

(وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ).

وبهذا يتبين أن الضرب الوارد ذكره في الآية الكريمة إنما يكون عند إدخال المرأة عليها من لا يريد الزوج دخوله، والذي يكون في دخوله محل ريبة، ومظنة حصول الفاحشة عادة. .

بل إن الآية الكريمة تؤكد بسياقها هذا المعنى، فقد قال تعالى:

{ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ وَبِمَآ أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ ۚ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ. . .}

[النساء: 34].

 فقد ذكرت الآية الكريمة أن النساء قسمان:

قسم: صالحات مطيعات.

وقسم: عاصيات متمردات.

 فالصالحات حافظات لأوامر الله تعالى. . قائمات بحفظ أنفسهن عن الفاحشة، وبحفظ أموال أزواجهن عن الضياع، فهن عفيفات أمينات فاضلات.

 وأما القسم الثاني: فهن الناشزات المترفعات على أزواجهن. وبعض هؤلاء ذهبن في سلوكهن في الطرف الآخر من سلوك الفريق الأول في شأن حفظ أنفسهن. . وهؤلاء هن اللواتي أذن القرآن الكريم بضربهن.

 وهكذا فالآية الكريمة ترتب معالجة نشوز المرأة بشكل عام بالخطوات التالية:

الأولى: الموعظة الحسنة.

الثانية: الهجر في المضاجع.

وهاتان الخطوتان لمعالجة أنواع النشوز بشكل عام.

 وعندما يكون النشوز باتجاه الانحراف الخلقي بحيث تُدخل المرأة عليها من لا يرغب الرجل بدخوله، ففي هذه الحالة فقط يكون اللجوء إلى الخطوة الثالثة وهي الضرب.

 وتحديد الضرب بهذه الحالة هو من بيان الرسول ﷺ في خطبة حجة الوداع والذي سبق إيراده في الحديثين السابقين.

 وكون ذلك في حجة الوداع يعني أن هذا البيان جاء في آخر حياته ﷺ فلم يأتِ بعده ما ينسخه أو يغيره.

 ويذهب الإمام الشوكاني إلى أبعد من ذلك فيجعل الهجر كالضرب لا يكونان إلا في حال الإتيان بفاحشة مبينة.

 قال الشوكاني: وظاهر حديث الباب – أي حديث عمرو بن الأحوص، وقد سبق ذكره – أنه لا يجوز الهجر والضرب إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك (1).

 على أن الضرب الوارد الأمر به في الآية الكريمة ليس على سبيل الوجوب، وإنما هو على سبيل الإباحة، أي ليس واجباً على الزوج عندما يجد من زوجته ذلك أن يضربها، بل مباح له أن يفعل ذلك أو أن يتركه.

 وإذن فللزوج أن لا يلجأ إلى الضرب، وأن يجد لنفسه من الوسائل ما يوصله إلى غايته، كأن يلجأ إلى تحذيرها عن طريق أهلها، أو غير ذلك.

______________________

1. “نيل الأوطار” (7/ 412).


وإذا ما غلب على ظنه أن الضرب هو الوسيلة المجدية، فعليه أن يتقيد ويراعي الضوابط التي وضعها الإسلام لذلك.

1- ومنها: أن لا يكون الضرب على الوجه. جاء هذا في حديث معاوية القشيري رضي الله عنه، حيث سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ فقال: 

يا رسول الله، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: (أَن تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) (1).

2- ومنها: أن يكون الضرب غير مبرح، أي غير شديد وشاق. وقد ورد ذلك في حديث عمرو بن الأحوص السابق ذكره وغيره من الأحاديث.

قال ابن عباس وعطاء: الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه (2).

وقال ابن حزم: “ضربها بما لا يؤلم، ولا يجرح، ولا يكسر، ولا يعفن، فإن ضربها بغير ذلك أقيدت منه” (3).

3- ومنها: أن يكون فعل الضرب فيما بينها وبينه، بعيداً عن أعين الناس، وعن أعين الأبناء والأهل.

وإذا كان حديث معاوية القشيري رضي الله عنه يمنع الهجر في غير البيت حيث يخلو الرجل بزوجته، فإن الضرب من باب أولى أن يكون بينه وبينها، إذا المقصود التأديب لا إذلال الزوجة.

وعندما ينفذ الضرب وفقاً لهذه القيود فلن يكون فيه أي محذور، ولن تجد فيه المرأة أي غضاضة، لأنه سيكون في إطار غيرة الرجل على زوجته ولا شك بأن كل امرأة تحمد للرجل غيرته عليها.

وعندما يخرج الضرب عن هذه الحدود التي وضعها الشرع، فمن حق المرأة أن تطالب بالقصاص.

______________________


1. رواه أبو داود (2142 – 2144)، وابن ماجه (1850).

2. “تفسير آيات الأحكام” للصابوني (1/ 469).

3. “تحرير المرأة في عصر الرسالة” لعبدالحليم أبو مشقة (5/ 247) نقلاً عن “المحلى” (10/ 41).


يقول الإمام ابن حزم – في تتمة كلامه السابق – “وإنما أباح الشارع الضرب ولم يبح الجراح، ولا كسر العظام، ولا تعفين اللحم، قال تعالى: 

{وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ}

[المائدة: 45] 

فصح أنه إن اعتدى عليها بغير حق، فالقصاص عليه”.

وقال الشيخ الدردير: “ولا يجوز الضرب المبرح، ولو علم أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه والقصاص، وهو الوارد في قوله تعالى:

{وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ}

[المائدة: 45] (1)

فلو أن رجلاً ضرب امرأته فكسر يدها، فهل يترك وشأنه بحجة أنه استعمل حقه الوارد في قوله تعالى: 

{وَٱضْرِبُوهُنَّ}؟

لا شك بأن القاضي المسلم سيحكم بالقصاص في هذه الحادثة وأمثالها، إذا طالب صاحب الحق بحقه، أو طالب ورثته بذلك إذا أدى الضرب إلى الموت.

هذا ويمكن تلخيص ما سبق بالنقاط التالية:

1- كرم الإسلام كل بني أدم، الرجال والنساء على حد سواء.

2- عند نشوز المرأة، يعظها الزوج أولاً، فإن لم يجد الوعظ لجأ إلى الهجر في الفراش.

3- إذا كان النشوز يمثل انحرافاً خلقياً، فللزوج اللجوء إلى الضرب بعد الوعظ والهجر، إن غلب على ظنه فائدة الضرب.

4- في حال اختيار الزوج طريقة الضرب فعليه الالتزام بالقيود التي وضعها الشرع لذلك.

5- يمكن للزوج بعد الهجر أن يلجأ إلى التحكيم دون العمل بطريقة الضرب.

______________________

1. المرجع السابق نقلاً عن “شرح الدردير” (2/ 401)، و”مواهب الجليل” (4/ 195).


6- وفي كل الحالات – وحتى في حال وجود دواعي الضرب – فترك الضرب أولى أقتداءً وتأسياً به ﷺ حيث لم يضرب أحداً، وتطبيقاً لقوله ﷺ: (وليس خيركم من يفعله) فضمان الخيرية بعدم الضرب.

7- في حال تجاوز الزوج الحدود التي قررها الشرع للضرب، وحصول جرح أو كسر، فللمرأة المطالبة بالقصاص (1).

______________________

1. وانظر البحث كاملاً في كتاب “نظرات في هموم المرأة المسلمة” للمؤلف.

مواضيع ذات صلة