يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله

يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله

عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَؤُمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سِلْمًا، ولا يَؤُمَّنَّ الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تَكْرِمَتِهِ إلا بإذنه».

[صحيح] [رواه مسلم]

الشرح

يبين الحديث الشريف عدة أمور: أولها: الأحق بالإمامة وهو الأحفظ للقرآن، لكن لا بد أن يكون عالماً بأحكام صلاته؛ إذ ليس للجاهل بأحكام الصلاة أن يؤم الناس، فإن استووا في الحفظ، فالأعلم بالسنة فإن تساووا في ذلك، فأولهم هجرة فإن تساوو في ذلك، فأولهم إسلاماً. ثانيها: ألا يتقدم الضيف على صاحب البيت في الإمامة إلا إن أذن له، فصاحب البيت أولى بها من الضيف. ثالثها: ألا يقعد الضيف على فراش صاحب المنزل الخاص به إلا بإذنه.

معاني الكلمات

يؤم القوم أقرؤهم إخبار بمعنى الأمر، كما في قوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ}، [النور: 3].

هِجْرَة الهجرة: هي الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ولا يزال حكمها باقِيًّا.

سِلْمًا أي: إسلامًا.

سُلطانه المراد به: ولايته، سواء كانت ولاية عامة، أو ولاية خاصة.

تكرمته المراد به: الفراش، ونحوه مما يبسط، ويفرش لصاحب المنزل، ويختص به.

فوائد الحديث

استحباب ولاية الإمامة للأفضل فالأفضل، والفضل هو بالعلم الشرعي والعمل به.

الواجب أن يكون هذا درسًا للمسلمين في عموم الولايات، فلا يُقدَّم فيها ويولى عليها، إلاَّ من هو أهل لها، واجتمع فيه الشرطان العظيمان: الأمانة فيه، والقوة عليه، كما قال تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)}، [القصص: 26]، وما ذلَّ المسلمون وفقدوا عزهم، وعمَّهم الفساد، إلاَّ بترك هذه الأمانة وإضاعتها، فقد جاء في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة، فقال أعرابي: كيف يا رسول الله! إضاعتها؟ قال: إذا أُسْنِدَ الأَمْر إلى غير أهله".

تكون الإمامة لمن هو أكثر حفظًا لكتاب الله -تعالى-؛ لأنَّ كتاب الله -تعالى- أساس العلوم النافعة، فمن كان فيه أعلم كان من غيره أفضل، فالعبرة بمن هو أعلم بكتاب الله وفقهه، ويشترط معرفته لفقه الصلاة.

المراد بقوله: "أقرؤهم لكتاب الله" هو أكثرهم حفظًا للقرآن، والذي يوضحه الحديث: "وليؤمكم أكثركم قرآنًا"، {رواه البخاري 4302}.

فإن استويا في القراءة، فأعلمهم بسنة نبيه محمَّد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّ السنة المطهرة هي الوحي الثاني، وهي المصدر الثاني للتشريع.

فإن استويا في العلم بالقرآن وحفظه، والعلم بالسنة وحفظها، فأقدمهم هجرةً من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فإن لم تكن هجرةٌ فأقدمهم توبةً وهجرةً عمَّا نهى الله عنه، وأقربهم امتثالاً لما أمر الله تعالى به.

وفي رواية: "فأقدمهم سنًّا"؛ ذلك أنَّ من قدم سنه قدُم إسلامه، وكثرت أعماله الصالحة.

هذا الترتيب ينبغي ملاحظته عندما يحضر جماعة ليصلوا، أو عند إرادة تولية الإمامة لأحد المساجد، أما إذا كان للمسجد إمام راتب فهو المقدَّم، ولو حضر أفضل منه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يؤمَّنَّ الرجل في سلطانه".

التصنيفات

أحكام الإمام والمأموم

المراجع

صحيح مسلم, تأليف: مسلم بن حجاج النيسابوري, تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي, دار إحياء التراث العربي.

توضِيحُ الأحكَامِ مِن بُلوُغ المَرَام، للبسام، مكتَبة الأسدي، مكّة المكرّمة، الطبعة الخامِسَة، 1423هـ - 2003م.

بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر، دار القبس للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1435هـ - 2014م.

منحة العلام في شرح بلوغ المرام، لعبد الله الفوزان، دار ابن الجوزي، ط1، 1428هـ.